النساء والرجال متساوون في التكاليف الشرعية

إن مبدأ المساواة بين النساء والرجال في التكاليف الشرعية يُعدّ من أهم المبادئ التي أرساها الإسلام منذ بزوغ فجره، وقد جاءت النصوص الشرعية الواضحة من القرآن الكريم والسنة النبوية لتؤكد هذا المبدأ الجوهري، فتُسند المسؤولية إلى الإنسان – ذكراً كان أو أنثى – باعتباره مخلوقًا مكلّفًا بالعبادة والعمل والأمانة، دون تفرقة بين الجنسين في أصل التكليف، ولا في الأجر، ولا في الثواب، ولا في العقاب.

يتأسس هذا المبدأ على أن الذكر والأنثى شريكان في الإنسانية وفي المقصد من الخلق، إذ قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، ولم يُخصّ في هذا الخطاب جنسًا دون آخر، فالتكليف موجه إلى الإنسان عمومًا، والإرادة الإلهية شاملة لجميع البشر.

المساواة في أصل التكليف والتشريع

من أبرز دلائل المساواة في التكاليف بين الرجل والمرأة في الإسلام ما ورد في القرآن الكريم من آيات صريحة تنص على أن كلًّا من الرجل والمرأة مخاطبون بنفس الأوامر والنواهي، ومكلفون بأداء الفرائض والواجبات. فالعبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج، وسائر العبادات القلبية والبدنية، مفروضة على الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، دون أي تمييز ناتج عن الجنس.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ… أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35]. هذه الآية مثال جليّ على المساواة التامة في التكليف والثواب، فقد خصّ الله تعالى الذكور والإناث معًا بكل وصف من أوصاف الإيمان والطاعة، ورتّب على ذلك الجزاء نفسه دون تفريق.

المساواة في الثواب والعقاب

من المبادئ الراسخة في الشريعة الإسلامية أن الإنسان يُحاسب على عمله، لا على جنسه أو نسبه أو لونه. قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97]. وهنا يقرر النص القرآني قاعدة عدل مطلقة: الجزاء متوقف على الإيمان والعمل الصالح، لا على الذكورة أو الأنوثة.

إن ميزان العدالة الإلهية لا يُفرق بين الرجل والمرأة في الجزاء، فكما أن كلاً منهما مخاطب بالتكاليف الشرعية، فكذلك هو محاسب على أعماله وفق نفس المعايير، مما يدل على عدالة الشريعة واتساقها مع الفطرة الإنسانية.

اختلاف الأدوار لا يعني اختلافًا في التكليف

من المفاهيم التي يجب تصحيحها أن اختلاف وظائف الرجل والمرأة في بعض المجالات لا يعني عدم المساواة في التكاليف الشرعية. فالشريعة راعت الفروق البيولوجية والنفسية بين الجنسين، وشرعت أحكامًا تلائم طبيعة كلٍّ منهما، دون أن تنتقص من مكانة أحدهما أو ترفع من شأن الآخر على أساس الجنس.

مثال ذلك، أن المرأة تُعفى من الصلاة والصيام في فترة الحيض والنفاس، وهذا الإعفاء لا يعني تخفيفًا لقدرها الشرعي أو إنقاصًا من تكليفها، بل هو من رحمة الله تعالى وتيسيره، كما أن الرجل يُكلف بالنفقة والجهاد والدفاع عن المجتمع، وهي أعباء تتناسب مع تكوينه الجسدي ومسؤولياته الاجتماعية. وفي النهاية، كلاهما مسؤول ومكلف وفق ما يقدر عليه وما يناسبه.

مظاهر المساواة في الفقه الإسلامي

يتجلى مبدأ المساواة في التكاليف الشرعية في مختلف أبواب الفقه الإسلامي، حيث نجد المرأة تؤدي العبادات كما يؤديها الرجل، وتصوم وتُزكّي وتَحُج وتُحاسب على أعمالها كما يُحاسب الرجل. ولعل الجدول الآتي يبيّن أبرز مجالات التكليف الشرعي التي يتساوى فيها الرجل والمرأة:

المساواة في المسؤولية المجتمعية والدينية

لم تُقصِ الشريعة المرأة عن مسؤوليات الإصلاح والبناء المجتمعي والديني، بل دعتها للمشاركة الفاعلة إلى جانب الرجل في مختلف مجالات الحياة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمشاركة في إصلاح ذات البين، والدعوة إلى الله، كلّها تكاليف شرعية تشمل الرجال والنساء.

وقد خَلّد التاريخ الإسلامي أسماء نساء عظيمات كُنّ مثالًا في العلم، والعمل الدعوي، والإصلاح الاجتماعي، من أمثال السيدة عائشة رضي الله عنها، التي كانت من كبار الفقهاء والمحدثين، والسيدة فاطمة بنت الخطاب التي سبقت كثيرين إلى الإسلام، والعديد من الصحابيات اللواتي شاركن في الجهاد والبيعة والنشاط الدعوي، مما يدل على عدم وجود حاجز بين الرجل والمرأة في أداء الرسالة الدينية والمجتمعية.

المرأة في القرآن والسنة كمُكلّفة مسؤولة

أبرز ما يدل على مكانة المرأة كمكلفة مسؤولة في الشريعة هو الإقرار الواضح باستقلاليتها القانونية والشرعية. فهي تصلي وتصوم وتملك وتبيع وتشتري وتُبايع وتُعاقب وتُثاب دون حاجة إلى إذن الرجل أو وصايته، ما دامت رشيدة مسؤولة.

قال رسول الله ﷺ: “النساء شقائق الرجال” [رواه أبو داود والترمذي]، وهو حديث يعكس جوهر المساواة في الإنسانية والتكليف. وهذه العبارة النبوية توضح أن المرأة ليست في مرتبة دونية أو تابعة، بل هي مكافئة للرجل في المسؤولية والتكليف.

إزالة الشبهات المتعلقة بالمساواة

كثير من الشبهات التي تُثار حول عدم مساواة المرأة في الإسلام مبنية على الجهل أو على أخذ جزئيات من النصوص دون النظر في السياق الكامل للتشريع. فمثلاً، يُستدل بقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، على تفضيل الرجل على المرأة مطلقًا، بينما السياق يتعلق بالأسرة والتنظيم الداخلي لها، ولا يُعد تفضيلًا مطلقًا في كل المجالات. فالقوامة تكليف وليست تشريفًا، وهي محاطة بضوابط شرعية صارمة تحدد المسؤوليات والحقوق.

كذلك مسألة الشهادة، والتي يُفهم من ظاهرها في بعض المواضع أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، إنما تتعلق بسياقات مالية معينة تتطلب وجود ذاكرة دقيقة واستحضار للموقف، وليس فيها دلالة على نقصان عقل المرأة أو قيمتها.

التكريم الإلهي للمرأة كمكلّفة

إن الشريعة الإسلامية كرّمت المرأة كمكلفة عاقلة راشدة مسؤولة، وأعطتها حق التديّن الكامل، ووضعت عنها الأذى، وشرعت لها أحكامًا خاصة مراعاة لحالتها البيولوجية، دون أن تنتقص من أجرها أو تعيقها عن أداء واجبها. فالنصوص التي تدعو إلى حسن معاملة النساء، والرفق بهن، إنما تؤكد خصوصية تكوينها لا تنقُص من أهليتها في التكليف والجزاء.

لقد سبقت الشريعة الإسلامية كل المواثيق البشرية والاتفاقيات الدولية الحديثة التي نادت بمساواة المرأة، فكرّمتها تكليفًا وتشريعًا وإنسانيًا، مع الحفاظ على هويتها وخصوصيتها، وقدرتها على المساهمة الكاملة في بناء الأمة.

خاتمة

يتبين من التأمل في النصوص الشرعية والوقائع التاريخية والفقهية أن الإسلام قد قرر بوضوح مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في التكاليف الشرعية. فهما في ميزان الشريعة متساويان في أصل الإنسانية، وفي مسؤولية التكليف، وفي الجزاء، وفي المسؤوليات الشرعية. وإن ما يظهر من فروق في بعض الأحكام لا يخرج عن مراعاة الطبيعة التكوينية والاجتماعية لكل منهما، دون أن يعني بأي حال تفاضلًا أو تمايزًا في القيمة الشرعية أو الدينية.

المراجع:

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة للنشر والتوزيع.

2. القرضاوي، يوسف، فقه المرأة في ضوء القرآن والسنة، مكتبة وهبة، القاهرة.